خديجة بنت خويلد رضي الله عنها تعدّ من أبرز الشخصيات النسائية في التاريخ الإسلامي، وهي أولى زوجات النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأول من آمنت برسالته. كانت حياتها نموذجًا في الحكمة والقوة والتفاني، ولعبت دورًا جوهريًا في دعم الدعوة الإسلامية في مراحلها الأولى.
نسبها ونشأتها
خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى تنتمي إلى قبيلة قريش، واحدة من أعرق القبائل في مكة. وُلدت في عائلة كريمة عُرفت بالشرف والثراء، وبرزت خديجة منذ صغرها بصفات الحكمة والذكاء، مما جعلها محط احترام أهل مكة. قبل زواجها بالنبي، كانت تعمل في التجارة، واشتهرت بإدارة أعمالها بحكمة واقتدار، مستعينة بوكلاء يشرفون على قوافلها التجارية.
زواجها من النبي صلى الله عليه وسلم
كان زواج النبي محمد صلى الله عليه وسلم من خديجة حدثًا هامًا في حياته. عندما بلغ النبي الخامسة والعشرين من عمره، عمل في تجارة خديجة، ونظراً لأمانته وأخلاقه العالية، أُعجبت به، وعرضت الزواج عليه عبر وسيط. قبل النبي العرض، وتزوجها رغم أنها كانت تكبره بخمسة عشر عامًا. كان زواجاً ناجحاً ومليئاً بالمودة والاحترام.
كانت خديجة الزوجة المثالية للنبي، حيث وفرت له الدعم العاطفي والمادي. أنجبت له ستة أبناء: القاسم، وعبد الله، وزينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة. وعلى الرغم من وفاة أبنائها الذكور في سن صغيرة، إلا أن ذلك لم يقلل من حبها للنبي أو دعمها له.
دورها في دعم النبي ودعوته
عندما بُعث النبي صلى الله عليه وسلم برسالة الإسلام، كانت خديجة أول من آمن به وصدقه. لم تتردد لحظة في قبول دعوته، مما خفف عن النبي حمل الرسالة وثقلها. كانت تُسانده في كل خطوة، وتوفر له الأمان والدعم الذي يحتاجه لمواجهة التحديات.
عندما نزل الوحي لأول مرة على النبي في غار حراء، عاد إلى خديجة مرعوباً، وقال لها: “زملوني زملوني”. لم تكتفِ خديجة بتهدئته، بل أكدت له أنه رجل صالح، لا يمكن أن يخزيه الله أبداً، وذهبت به إلى ورقة بن نوفل، ابن عمها، الذي أكد أن ما حدث له هو الوحي الإلهي. كان لهذا التصرف دور كبير في تقوية عزيمة النبي ودعمه لمواصلة مسيرته.
كانت خديجة تقدم للنبي الدعم المادي والمعنوي. بثروتها الواسعة، ساهمت في تمويل الدعوة الإسلامية، وساعدت في تخفيف المعاناة عن المسلمين في مكة. كان النبي يعتمد على حكمتها ونصائحها، مما جعلها شريكاً أساسياً في بناء الدعوة الإسلامية في مراحلها الأولى.
صبرها وتضحياتها
لم تكن حياة خديجة سهلة بعد إعلان النبي دعوته. واجهت مع النبي صلى الله عليه وسلم صعوبات كثيرة، أبرزها المقاطعة التي فرضتها قريش على بني هاشم والمسلمين. تحملت خديجة هذه المقاطعة بثبات وإيمان، رغم أنها كانت في سن متقدمة، وعانت من نقص الطعام والشراب في شعب أبي طالب.
على الرغم من هذه التحديات، لم تُظهر خديجة أي ضعف، بل استمرت في تقديم الدعم للنبي وللمسلمين. كانت تُعطي من مالها لإطعام المسلمين المحاصرين، وكانت تُثبّت النبي وتشد من أزره بكلماتها المشجعة.
وفاتها وأثرها على النبي
توفيت خديجة رضي الله عنها في السنة العاشرة من البعثة، بعد ثلاث سنوات من خروج المسلمين من شعب أبي طالب. كان لوفاتها أثر بالغ على النبي صلى الله عليه وسلم، حتى سُميت تلك السنة بـ”عام الحزن”. فقد النبي أعظم داعم له، وكانت خسارتها فادحة ليس فقط له، بل للدعوة الإسلامية بأكملها.
ظل النبي يذكر خديجة طوال حياته، وكان يُثني عليها دائماً، حتى بعد وفاتها. كان يقول عنها: “آمنت بي حين كفر الناس، وصدقتني حين كذبني الناس، وواستني بمالها حين حرمني الناس، ورزقني الله ولدها وحُرم ولد غيرها”.
مكانتها في الإسلام
تعتبر خديجة بنت خويلد رمزاً للمرأة المسلمة المثالية. ضربت أروع الأمثلة في الإيمان والصبر والتضحية. بفضل دورها الكبير في دعم الدعوة الإسلامية، نالت مكانة عظيمة في الإسلام، وورد ذكرها في أحاديث كثيرة تثني على منزلتها.
الخاتمة
خديجة بنت خويلد رضي الله عنها ليست مجرد زوجة للنبي صلى الله عليه وسلم، بل كانت شريكته في الدعوة الإسلامية، ودعامة أساسية في نجاحها. سيرتها مليئة بالدروس والعبر لكل امرأة مسلمة تسعى لتقديم الخير ودعم أسرتها ومجتمعها. تظل خديجة نموذجاً للوفاء والحب والتضحية، وستبقى ذكراها خالدة في قلوب المسلمين.